السر يكمن في العقل اباطن

العقل لباطن يمكن أن يكون أوفى أصدقائك ان استخدمته بحكمة و استطعت ترويضه، ذلك أنه الخادم الأمين الذي يحمل عنك ثقل أفكارك و يخزنها على شكل تعليمات لأعضاء جسدك الأخرى لتقوم بالحركات و التفكير بشكل آلي دون تدخل منك، فجميع أفكارك المتكررة و أفعالك الناتجة عنها تتحول إلى عادات سلوكية، و تصبح جزء لا يتجزأ من حياتك، و هذا بالضبط مكمن الخطورة في هذا الخادم الأمين، لأنك إن أعطيته تعليمات سلبية، أو تعليمات خاطئة فسيقوم بتنفيذها.

أكثر حركاتنا و تصرفاتنا تحدث بدون وعي منا، فابالتكرار يتعلم عقلنا الباطن القيام بهذه التصرفات و الأفعال ليخفف عنا عبء التفكير فيها، فقيادة السيارة على سبيل المثال هي أصعب الأعمال على الاطلاق كونها تتطلب إستخدام جميع الحواس تقريبا في ذات الوقت، لذا فإن قيادة السيارة تكون صعبة جدا في البداية و تتطلب التركيز التام، لكن مع الأيام تصبح هذه المهمة أوتوماتيكية، ولعلك مثلي مررت بتجربة القيادة و أنت مستغرقا في التفكير في موضوع ما أثناء قيادتك للسيارة، و لم تنتبه لنفسك إلا و أنت في جراج منزلك تقفل باب السيارة بعد خروجك منها، و تظل تسأل نفسك كيف وصلت هنا، و كيف كنت تقود السيارة بدون وعي، أنت لم تكن تقود بل عقلك الباطن هو من كان يفعل ذلك نيابة عنك، وكذا الطباعة و العزف على الالات الموسيقية، لهذا تمكن بتهوفن من تأليف أجمل سيمفونياته و هو أصم و أعمى.

فسبحان من خلق لنا هذا الصديق الوفي الذي لولاه لأصبحت حياتنا جحيما لايطاق، إذ سيكون علينا التفكير في كل شيء في ذات الوقت، و ستزدحم ذاكرتنا بأفكار لن نتستطيع تحملها، فعلقنا الباطن لا يعرف التعب ولا الكلل، و هو يستطيع بهذا أن يؤدي الكثير و الكثير من المهام نيابة عنا إن نحن فوضناه بأعمال محددة وواضحة، وإن تعلمنا السيطرة على أفكارنا.