15‏/09‏/2009

لقد أكلت الدريان

تعرفت على الدريان – بضم الدال - في أول زيارة لي لشرق آسيا منذ سنوات، لكنني اتخذت حينها قرارا بأنني لن افكر مجرد التفكير في تذوقه رغم محاولات مستميتة من رفاق الرحلة لإغرائي بتجربته، و الدريان لمن لايعرف هو فاكهه استوائية ذات أشواك و رائحة نفاذة غير مستحبة ..

في رحلتي لتايلد قبل عامين، عرضت علي صديقتي الصدوق التي أثق في حكمها ثقة عمياء بأن أجرب الدريان و إلا فإنه سيفوتني نصف عمري كما زعمت، و بأنها مثلي لم تكن تعتقد أنها قادرة على مجرد الإقتراب من الثمرة ذات الرائحة الكريهه قبل أن يجبرها والدها على تذوقها العام المنصرم، وتحت إصرار شديد , بعد أن عرضت علي شراء حبة مفتوحة و مغلفة بالبلاستيك كون الرائحة تكون في القشرة في الغالب، قررت أن أخوض المغامرة، التي شعرت بعدها بالفخر حقا بنفسي على إتخاذ تلك الخطوة التي لم أكن أعتقد بأنني قادرة على إتخاذها..و هو قرار لم أندم عليه البته، فالفاكهه لذيذة بشكل خيالي، ذات ملمس حريري، و مذاق حلو

وهو ما ذكرني بقصة السيدة الأمريكية التي كانت في التاسعة و الستين من عمرها عندما دهست بسيارتها حفيدها الصغير، وما أن أدركت ما حدث حتى شمرت عن ذراعها و رفعت السيارة عن الطفل، أمام ذهول الحاضرين و صدمتها هي بما فعلته، ركضت السيدة بعدها إلى داخل الدار رافضة رفضا باتا التحدث في الموضوع إلى أحد من الصحفيين الذين توافدوا على منزلها سعيا وراء سبق صحفي، و لم ينجح أيا منهم في الفوز باللقاء الصحفي سوى صحفي بريطاني لحوح وكان أول سؤال سأله السيدة: لما لا تودين الحديث بشأن ما حدث، رغم كونه مدعاة للفخر و هو بحق معجزة؟

أجابت العجوز: لأنني لا أريد مجرد التفكير في الأمور التي كان بإستطاعتي القيام بها في حياتي لو أنني حاولت، فأجابها الصحفي و ما المانع في أن تجربي الآن و قد اكتشفت القوة الكامنة بداخلك، أجابت: وأنا في هذا السن؟ قال لها الصحفي: نعم في هذا السن، إن السنون من عمرك ستمضي سواء قضيتيها على هذا الحال، أو حاولت أن تضعي أهدافا و تحققيها فأيهما أفضل برأيك؟..

عادت السيدة إلى مقاعد الدراسة وحصلت على البكالريوس، و الماجستير و هي الآن مدرسة جلوجيا في الكلية المحلية في بلدتها..

تعلمت من تجربة الدريان ومن العجوز:

أن لا أحكم على ظاهر الأشياء فجوهرها غالبا ما يكون عكس ظاهرها

بدون خوض التجربة لن أعرف أبدا ما ينتظرني من مفاجأت سارة و متعة حقيقية

قررت أن لا أحكم بعدم إستطاعتي القيام بعمل ما قبل أن أخوض التجربة

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

فعلا الحياة تجارب ..تعجبني طريقة ربطك و تحليلك الإجابي للأمور ..مازلت أتذكر نظرة الشجاعه في عينيك و أنت تتذوقين الدريان :)

Unknown يقول...

نحتاج جميعا إلى فتح الأبواب المغلقة لنرى ما تخبئ وراءها من مفاجآت.......شكرا لعبورك من هنا

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
التجربة خير برهان بتوفر شروط التجربة ووضوح البرهان.
من الجميل ان يفلسف الانسان الامور التي تجري معه وحوله ليقف على حقيقة الاشياء بوضوح تام، والعملية مستمرة ببقاء العمر .
حتى يأذن الله بتأمل تجارب اخرى كونوا بخير تجربة وبرهان

Unknown يقول...

تجارب الحياة البسيطة هذه تضفي على حياتنا بهجة