07‏/04‏/2014

فكرة

تقوم فكرة التنمية البشرية على حقيقة أن القوانين الطبيعية وجدت من أجل تسيير هذا الكون بدقة متناهية، وتحافظ على توازنه، وكذلك هي القوانين التي وضعها المولى جلّت قدرته لتسيير حياتنا كبشر، وكل هذه القوانين إنما وجدت لفائدة البشرية ورخائها وسعادتها، هذه القوانين تعمل على الدوام سواء علمنا بها أم لم نعلم، سواء آمنا بها أم أنكرناها، في كتابه الذائع (المفتاح السري) يشرح تشارلز هانل كيف أننا إذا ما عملنا بالشكل الذي يتفق مع هذه القوانين فإننا حتما سنصل إلى السعادة التي ننشد، كل ما نحن مطالبون به هو أن نكون في حالة من الاتساق مع الكون من حولنا، وأحد أهم هذه القوانين هو قانون العطاء، أو كما تقول الحكمة الدارجة (الدنيا أخذ وعطاء) وهذه حقيقية ثابتة في حياة كل ما حولنا من مخلوقات وليس في حياتنا نحن كبشر فقط، لذا فإن الإنسان الذي يمسك عليه عطايا المنان سيعيش على الدوام في مشقة، فالمشاكل والصعاب إنما كنتيجة حتمية لرفض الإنسان أن يتنازل عما لم يعد بحاجة له، أو رفضه أن يمد يده ويأخذ ما يحتاجه، فالنمو ما هو إلا حالة استبدال الجديد بالقديم، سواء كان هذا في أعضاء الجسم أو في أوراق الشجر أو في الأسماك الميتة التي يلفظها البحر، هو عملية تبادل الصالح بالطالح، الجيد بما هو أفضل، هي المعاملة بالمثل بكل بساطة، نحن نحصل على ما نعطيه، ولا يمكننا أن نحصل على ما نفتقد إليه من ثراء مادي ومعنوي طالما كنا متمسكين بعناد بما نملك، عندما نصل إلى درجة عالية من الوعي حينها فقط نستطيع أن نميز ما الذي نحتاجه فعلا من أجل نمونا وتطورنا، وكلما زاد وعينا بما نريد زادت قدرتنا على معرفته وتميزه عندما يعترض طريقنا، من قدرة الله وعظمته أنه لن يضع في طريقنا إلا القدر الذي نحتاج فعلا لنمونا وتطورنا، فكل الظروف والتجارب التي تمر بنا إنما وضعها المولى في طريقنا قانونا لنحصد ما نزع، قانونا ثابتا ودقيقا للغاية، فالقوة التي نحصل عليها هي بقدر الجهد الذي بذلناه في سبيل الوصول إليها.
إن سعادتنا الحقيقية ونجاحنا إنما يتأتى من خلال إدراكنا لهذه القوانين وبالتالي العمل بناء على ذلك، بحيث إن ما نطلبه يجب ألا يتعارض مع مصلحة المخلوقات من حولنا ولا يمس بتوازن الكون، من خلال الأفكار التي هي مصنع كل ما حولنا، فكل ما حولنا كان في يوم من الأيام مجرد فكرة في ذهن أحدهم.
وقد تكون هذه الفكرة قد عبّرت أذهان الملايين على مر الأزمنة، لكن شخص واحد فقط تجرأ وصرح بها، وحاول تنفيذها، وأول تعبير عن الفكرة هي اللغة، فاللغة هي الوسيلة التي تنتقل بها الأفكار بيننا كبشر، وهنا تأتي أهمية الكلمات، أحدهم قال يوما احذر أفكارك فقد تتحول إلى كلمات، واحذر كلماتك فقد تتحول إلى أفعال واحذر أفعالك فقد تتحول إلى سلوك، هذا السوك سيحدد مصيرك، الفكرة إذن من الممكن أن تتحول إلى فعل من أي نوع، لكن أيا يكن هذا الفعل فما هو سوى فكرة تحاول التعبير عن نفسها في صيغة مرئية ومحسوسة، لذا يرى خبراء التنمية البشرية أنه إذا ما أردت تحقيق أحلامك وأهدافك ما عليك إلا أن تعمل فكرك، ومن هنا أيضا تأتي أهمية الكلمات التي تلفظها، والتي من الممكن أن تحدد مصيرك، فإذا كانت الكلمات ما هي سوى أفكار في حالة حركة، وإن كانت الأفكار تتحول إلى أفعال فإن الكلمات التي ترددها تحدد مصيرك، فإن كان كل ما ينطق به لسانك هو عبارات مثل: لا أستطيع، وما عندي، وأنا فاشل، وأنا مستحيل أن أكون، فأنت بهذا ترسم خارطة مصيرك بكل بساطة، هذه القدرة المذهلة للإنسان لتغليف أفكاره بكلمات هي ما يميزنا كبشر عن بقية المخلوقات، وبهذه الكلمات المكتوبة حفظت البشرية نتاج فكرها عبر العصور لتبني عليه، فأي اختراع أو منتج توصل إليه أحدهم إنما بني على محاولات وجهود أجيال سبقته، قبل فترة كنت اقرأ سيرة حياة بيل جيتس، (الطريق للأمام)، والذي يستعرض فيه قصة إنشاء مايكروسوفت، فتكتشف أن جهاز الحاسوب لم يظهر فجأة، وإنما هو تطوير لفكرة قديمة جدا، كل مرة يأتي من يضيف لها شيئا، حتى وصل إلى الصورة التي هي عليها اليوم، وكذلك هي برامج ويندوز، ما هي إلى تشكيلة من برامج مختلفة طورت من قبل أشخاص مختلفين على فترات متباعدة حتى وصلت لصيغتها الحالية، فبيل جيتس يعترف بأنه لم يخترع أو يطور شيئا، وإنما استفاد مما كان موجودا قبله، وهذا يعود بنا للطرح الذي بدأنا به حول قانون الأخذ والعطاء، فلو أن كل مكتشف أو كل مخترع احتفظ بأفكاره ومخترعاته ما كان ممكنا للبشرية أن تستفيد منها، ولما أمكن لهذا الجيل أن يعيش هذه الرفاهية التي لم تشهد لها البشرية مثيلا، رغم كونها هي إنتاج جميع الأجيال التي سبقتنا.

ليست هناك تعليقات: