28‏/04‏/2014

كلنا يا صديقي كذابون


إن كان الواتساب قد ساهم سلبيا في شيء فأعتقد بأنه ساهم في نشر ثقافة الكذب بشكل مرعب، ولا أريد هنا أن ألقي اللوم على مطور البرنامج لأنني كما ذكرت أعتقد بأنه من أجمل التطبيقات الذكية على الإطلاق، فقد ساهم في تعزيز التواصل على جميع المستويات بين الأفراد، في شتى بقاع العالم، وقرب المسافات بشكل مذهل، ولا شك أنه وطد كثيرا من العلاقات، واستعاد الكثير من العلاقات المقطوعة، وساهم في نشر المعرفة بشكل سريع وسهل، ويسر للجميع الوصول إلى الأخبار دون عناء، ووفر مبالغ ضخمة من فواتير الهاتف على الكثيرين منا، ويظل برنامج التواصل المفضل لدي شخصيا، فقد أضفى على حياتي الكثير من البهجة، وأتاح لي التواصل والتفاعل مع أسرتي بشكل يومي، وقربني من الصغار منهم كما لم أحلم مطلقا، العيب كما ذكرت ليس في التطبيق لكن العيب فينا، ذلك أننا لم نعرف كيف نستغله بالشكل الصحيح، فقد تحول هذا التطبيق الرائع إلى مصدر إزعاج لا ينقطع بالنسبة للكثيرين منا، خاصة عبر خاصية إنشاء المجموعات، إذ يحرجنا البعض على الدوام بإدخالنا في مجموعات مختلفة مرغمين، ويحرج البعض منا من رفض الانصياع للأمر بسبب حساسية العلاقة مع مؤسسي هذه المجموعات، ممن لا يعي البعض منهم التلميحات التي يحاول الأعضاء إرسالها بين حين وآخر، والتي تظهر امتعاضهم من هذه المجموعات، التي أصبحت تشكل ضغطا على أوقاتهم وأعصابهم على حد سواء، أيضا لا مجال للتعميم هنا فبعض هذه المجموعات ثرية جدا بأعضائها وبمستوى الحوار فيها، ومساهمتها الفاعلة في تقوية أواصر العلاقة بين أفرادها، لكن يبقى هناك بعض أعضاء هذه المجموعات ممن يقوم بإرسال كل ما تقع عينهم عليه، من أخبار وصور ومشاهد وتسجيلات صوتية، تتصف البعض منها بالتفاهة المطلقة، وينطوي الكثير منها على الاستهزاء بالآخرين ممن ابتلاهم رب العالمين بخلقة دميمة أو عيب خلقي على سبيل المثال، متناسين ونحن نتداول هذه الصور والتعليقات بأننا نعيب في خلقة الواحد الأحد الذي قال في محكم آياته (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، فلا ذنب لإخواننا هؤلاء في كونه جلت قدرته قد ابتلاهم، ولا تعلم كيف هم عنده عز وجل، وبغض النظر عن سوء المحتوى الذي تتضمنه هذه الرسائل الواتسابية، فإن مجرد إعادة إرسالها يسيء أحيانا للآخرين، من حيث إزعاجهم على الدوام بهذه الرسائل التي قد يحرج البعض من إظهار استيائه منها، كما لا شك أن إرسال كل ما تقع عليه عيناك دون التحقق من صحته، يساهم بشكل أو بآخر بنشر الكذب بين الأفراد، ففي الهدي النبوي: (كَفَى بالمَرْءِ كَذِباً أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ ما سَمِعَ) ونحن نحدث بكل ما يصل إلينا وبشكل دائم، دون أن نكلف أنفسنا عناء تقصي الحقائق، وكم من إشاعة مدمرة ساهمنا في نشرها، وكم من كذبة ساهمنا في اختلاقها وتداولها، اليوم مع وجود هذه التقنيات وسرعة انتشار المعلومة وسعة نطاق انتشارها، أدت إلى تضخيم حجم الضرر الذي قد تسببه (كذبة) بريئة، كانت ربما في ما مضى تقال في مجلس ضمن مجموعة بسيطة من الأفراد، وقد لا تخرج من ذلك المجلس، أما اليوم ففي غضون ثوان معدودة تنتشر هذه الأكاذيب والإشاعات البريئة، وينتشر ضررها كالنار في الهشيم، فالرسالة التي تنضوي على كذبة أو إشاعة سواء كنت من قام بصياغتها أو أنك قمت بإعادة إرسالها، ستقوم أنت بإرسالها إلى عشرة أشخاص في قائمة أصدقائك، وفي غضون دقائق سيتولى أصدقاؤك إعادة إرسالها لعشرة من أصدقائهم كل على حدة، وفي خلال ساعات تخيل كم من البشر ساهمت دون أن تعي في مشاركتهم الكذب، وكم من الآثام تحملت وحملت الآخرين جراء ما فعلت، وكم الضرر الذي لحق بأبرياء صدقوا تلك الكذبة، وكم من علاقات تهدمت بسببها، فبعض هذه الرسائل على سبيل المثال تحمل وصفات لعلاجات من أمراض مستعصية، سيتلقاها مريض وصل به حد المرض أن يجرب أي شيء، فالغريق كما تقول الحكمة الدارجة يتعلق بقشة، هذه العلاجات طبعا لم يتم إثباتها طبيا، وقد تكون غير صحيحة، وبالتالي قد تودي بحياة مريض، أو تضاعف مرضه، ونكون بذلك قد تسببنا في فقدان إنسان لحياته، جهلا منا، وإهمالا أحيانا، أحيانا أيضا يتم تداول قصص تمس أعراض الآخرين، ودون وعي منا نعمل على نشرها، ونساهم بشكل أو بآخر في ارتكاب آثام الغيبة والنميمة ورمي المحصنات الغافلات وكشف أسرار سترها رب العالمين، يخشى المرء والعياذ بالله أن يكون شريكا في المعصية لكل من ساهم في نشرها، أو حتى قراءتها، المحزن حقا أننا نمارس هذه الرذائل الصغيرة دون أن نشعر، وعلى كافة المستويات الثقافية والعمرية، أمر إن لم ننتبه له سريعا سيؤدي إلى نشر ثقافة الكذب، وبرمجة العقول عليها، وتدمير المجتمع بإشاعات مدمرة تمس كافة أفراده بشكل أو بآخر.

ليست هناك تعليقات: