13‏/01‏/2014

حالة طوارئ دائمة


البعض منا يعيش حالة طوارئ عاجلة بشكل دائم، إنهم تلك الفئة التي تتفاخر بأنها تجيد العمل في الظروف الضاغطة، التي بحاجة إلى ذلك الأدريالين الذي تفرزه خلاياه بتأثير من صفة العجلة في هذه الأمور التي تظهر بشكل دائم نتيجة ثقافة (التسويف) التي تسيطر على حياته، من مكالمات هاتفية إلى صراخ أطفال مصابين أو مرضى وتقرير الموازنة الذي اكتشف أنه نسي إعداده، والبعض مدمن لهذا الأسلوب ويجد متعته فعلا في الأدرينالين الذي يصاحب الحالات الطارئة الدائمة التي يجد نفسه في مواجهتها، هؤلاء الأفراد من الصعب أن ينجزوا الأعمال في وقتها، ومن الصعب عليهم التخطيط المسبق لأعمالهم، فهم مسيرون من الغير دائما، ومعتمدون على ذلك الشعور بالأهمية التي توهمهم به العجلة التي تتصف بها الأعمال المتأخرة، رغم أن هذه الطاقة تصاحبها ضغوطات وتوترات وإجهاد جسدي ونفسي، لكنها تمنحنا ذلك الشعور الخادع بأننا في غاية الأهمية ولا يمكن الاستغناء عنا، فتجد المرء في حالة من العمل المستمر والعجلة، لأنه يفقد أهميته ما إن تنتهي المهمة العاجلة التي منحته ذلك الشعور المؤقت بالأهمية، ويشير ستيفن كوفي في كتابه الأول أولا إلى مجموعة من المؤشرات الخطيرة التي ترتبط مع هذا السلوك وتحوله إلى إدمان مدمر للذات، ذلك انه يُوجد نمطا ثابتا ومتوقعا من الشعور بالإثارة، ويصبح العمل الطارئ محط تركيز يشغل المرء عن التفكير في أي شيء آخر من الممكن أن يعكر صفو مزاجه، وبالتالي ينسيه أي شعور بالضيق أو الألم نتيجة أوضاع حياتية مختلفة، ويوفر إحساسا خادعا بالقيمة والسلطة والقوة وكذلك الأمان أو الإنجاز، وهو بهذا يشغلنا عن التفكير والعمل على الأمور المهمة في حياتنا، وتجعلنا دائما نعيش في الربع الأول من مربع الزمن، ولأولئك الذين ليست لديهم فكرة عن مربع الزمن فهو قائم على مبدأ أن جميع الأنشطة التي نمارسها في حياتنا تقع في أحد أرباع مربع الزمن وهي: عاجل ومهم، مهم وغير عاجل، عاجل وغير مهم، غير عاجل وغير مهم، وهذه الفئة هي الفئة التي تقع في المربع الأول أو حتى الثالث أحيانا، فالعجلة سواء كانت مهمة أو غير مهمة هي التي تسيطر على معظم الأنشطة التي يؤدونها، والمشكلة هنا أن العجلة صوتها عال دائما مما توحي بالأهمية التي قد لا تكون في محلها، وتنشأ أنشطة المربع الأول من عادة التسويف والتأجيل لمشروعات مهمة للغاية، لا نلقي لها بالا حتى تصبح من العجلة والأهمية التي يصعب فيها تجاهلها، كمرض عضال تجاهلنا أعراضه مرارا وتكرارا، ويقع ضمن المربع الثاني كل ما له علاقة بالتخطيط والتطوير والبناء، مثل الرياضة والنظام الغذائي الصحي، ومواصلة التعليم، والتطوير ورسم الأهداف، كذلك فإن تطوير الذات وبناء العلاقات الإيجابية تقع ضمن هذا المربع، لكن لكونها غير عاجلة يمضي الكثيرون حياتهم يؤجلونها حتى يكتشفوا بأن الأوان قد فات، أو يتداركوا الأمر في اللحظة الأخيرة ويكون الثمن غاليا جدا الذي يدفع في سبيل تجنب عواقبها التي تكون وخيمة، أما الأشخاص الذين تكون أنشطتهم في هذا المربع فهم الشخصيات الناجحة ذات الكفاءة العالية في الإنجاز، إذ يجمع خبراء الإدارة على أن ساعة تخطيط يمكن أن توفر عليك 80% من الوقت، وطبعا هناك الفئة التي تمضي جُل وقتها في المربع الأخير غير العاجل وغير المهم، ممن يعتقد بأنه يملك الوقت كله، وممن يقضي حياته بدون هدف، ينفذ مشيئة الآخرين ويعمل على أولوياتهم، هذه الأنشطة التي ما هي إلا  إهدار للعمر الذي منحنا إياه رب العالمين، والذي سيكون من أول ما سنسأل عنه يوم القيامة، عن عمرك فيما أفنيته، مثل الجلوس على مواقع التواصل الاجتماعي بدون هدف لساعات طويلة، أو متابعة المسلسلات والأفلام غير الهادفة، وينطوي أيضا على قراءة الصحف والمجلات والروايات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فضلا عن التسكع في المجمعات التجارية بدون هدف، أو الثرثرة التي غالبا ما تتضمن غيبة ونميمة وسوالف ليست ذات معنى، كلها أنشطة تتطلب الإدارة السليمة للذات إلغاءها تماما أو الحد منها قدر المستطاع، من أجل فتح مجال للأنشطة المهمة عاجلة كانت أم غير عاجلة، لأن هذه الأنشطة في النهاية هي التي ستعمل فارقا في حياتنا، وقد تترتب عليها عواقب وخيمة إن قمنا بتأجيلها أو إلغائها، هذه العلامة الفارقة بين النجاح والفشل بكل بساطة، ولعلها فرصة لنا جميعا مع بداية عام جديد أن نفتح صفحة جديدة في ملف الحياة، نرتب فيه أوضاعنا الحياتية بشكل عام، ونبدأ في التركيز على الجوانب المهمة في حياتنا، التي قد لا نكون قد منحناها العناية التي تستحق، والتخلص من توافه الأمور التي تسرق منا أجمل وأثمن لحظات العمر.

ليست هناك تعليقات: