08‏/07‏/2013

مشاهد من العمل الحكومي

حمدة بنت سعيد الشامسية:– كنت أهم بالخروج من مقر انعقاد الندوة فوجدت أنه من الذوق الاستئذان من الحضور ممن شاركوني الطاولة عندما بادر أحدهم قائلا: نعم إنها الثانية ظهرا وهو انتهاء دوامكم في الحكومة، قالها بطريقة استفزتني كثيرا لا لشيء سوى للهجة التجني التي حملتها تلك العبارة وأسلوب التعالي الذي لمسته من قبل بعض الكوادر الوطنية التي أتيحت لها الفرصة للعمل في القطاع الخاص الذي يرى البعض أنه أكثر تفوقا من نظيره الحكومي، ولأن الموضوع مرتبط بنظري بثقافة سائدة تقوم على التقليل من شأن الطرف الاخر وتحقير جهدوده، وسهولة إصدار الأحكام العامة، التي أشعر بأن فيها تجنيا كبيرا على فئات وشرائح واسعة على امتداد التاريخ، بخطة قلم يستسهل كاتب ان يلغي حضارة أمة بكاملها وتاريخها ومساهماتها في تاريخ الانسانية، فعلى سبيل المثال كثرت عبارات في منتدياتنا تصف الشعب العماني بصفات تحمل في طياتها التحقير والتقليل من شأن هذا الشعب، والمؤلم أن ما يكتب بأقلام عمانية و باسم (حرية التعبير) دون أدنى فهم للمعنى المقدس لهذه العبارة التي شوهت كما تشوه الكثير من القيم والمعاني في عالمنا الافتراضي..
يتناسى البعض من المهاجمين للمؤسسات الحكومية بما فيها بعض العاملين فيها بأن نهضة هذه البلاد قامت بهذه المؤسسات التي بنيت على كوادر وطنية مخلصة قضت عمرها في خدمة الوطن بتفان واخلاص ودون انتظار مقابل، من كوادر التربية والتعليم التي خرجت مؤسساتها ثروتنا البشرية التي بنت هذه النهضة في كل مراحلها، ومن أطباء وعلماء ومهندسين وصلت شهرة انجازاتهم الافاق وأنكرها أبناء الوطن المستفيدون منها، ومن كوادر وزارة الصحة التي أوصلت عمان إلى مصاف الدول الأولى في مجال الاستثمار في الخدمات الصحية وغيرها من مؤسسات تعمل كوادرها ليل نهار لخدمة ابناء هذا الوطن والسهر على راحته، والغريب أن هذه النظرة تكون أحيانا من العاملين في القطاع الحكومي نفسه تجاه مؤسسة شقيقة أخرى لم يتح لبعض صادري الأحكام هذه أن يتعرفوا على أعمال هذه المؤسسات عن قرب، لذا من السهل جدا ان تصدر الأحكام بسهولة في هذه الحالة، خاصة تلك الفئة التي لا يرتبط عملها بجهات خارجية أخرى، حتى تستطيع ان تتعرف على ما تقوم به المؤسسة من جهود، فأنا شخصيا قبل صدور التعليمات السامية بصرف منحة الباحثين عن عمل التي اتاحت لي التعرف عن قرب على أعمال وزارة القوى العاملة لم اكن أعرف الكثير عنها حيث كانت علاقتي بها تنحصر بمأذونية الشغالة كل عدة سنوات، لذا كانت دهشتي كبيرة جدا عندما رأيت الجهد غير الطبيعي والاستثنائي الذي بذله موظفو وزارة القوى العاملة في استقبال الطلبات وتحديث البيانات واستيعاب الباحثين عن عمل وفي الوقت ذاته تهدئة الأوضاع في المؤسسات التي حدثت فيها الاعتصامات، فكادر الوزارة كان يعمل بكامل طاقته مواصلا عمل النهار بالليل إلى ساعات متأخرة جدا من المساء لسبعة أيام بالأسبوع بما فيها الاجازات الرسمية، وانا عندما اتحدث عن الوزارة اقصد بذلك جميع كادرها.
وقبل ندوة شبكات الامان الاجتماعي لم اكن اعرف عن وزارة التنمية الاجتماعية سوى الضمان الاجتماعي، لكن عملي مع فريق الوزارة في اللجنة المنظمة جعلني اتعرف عن قرب على طبيعة عمل الوزارة الذي لا يسع المرء إلا ان ينحني لها احتراما و إجلالا، مستوى التفاني في العمل والاخلاص والكوادر الرائعة التي تعمل بصمت في الوزارة سواء من الرعيل الأول أو الجيل الجديد الذين يعملون معا بوئام وانسجام مدهش، أحد المشاركين في الندوة موظف جديد التحق مؤخرا بالوزارة منتقلا من جهة أخرى عبر لي عن دهشته مما يحدث داخل اروقة وزارة التنمية الاجتماعية من انشطة وبرامج وجهود جبارة لا نعرف عنها كمواطنين شيئا عبارته تلك تسري على مؤسسات عدة كان لها دور استثنائي وجبار في مسيرة التنمية لم ندركه نحن كمواطنين، لا يدرك المرء وهو يرى المشروع جاهزا كم الجهود التي بذلت فيه، فموضوع بسيط جدا كموضوع الندوة مثلا، لا يتخيل المشارك فيها وهو يدخل القاعة كم الجهد الذي بذل ويبذل حتى تخرج الندوة بتلك الصيغة والعدد الكبير من الكوادر التي تعمل ليل ونهار ولأشهر عدة حتى تخرج هذا العمل بهذه الصورة، أمر لمسته منذ سنوات أثناء مشاركتي بورقة عمل في المنتدى التربوي لمحافظة الشرقية، كان المنتدى يعقد في فندق صور حيث أقيم، ولكون وصولي كان قبل ليلة من بدء المنتدى اتيح لي رؤية الساعات الأخيرة من التحضير للمنتدى والتعرف على الكوادر الاستثنائية وراء ذلك الحدث، مدرسون ومدرسات من شتى ولايات وقرى المنطقة يعملون كالنحل بروح الفريق الواحد وبجد مثير للإعجاب حتى ساعات الفجر الأولى، ومع هذا ليس مستغربا ان يحكم أحد الحضور على فعالية كهذه الفعاليات وبكلمة واحدة لان أمرا خارجا عن السيطرة حدث اثناء الفعالية لم يكن في الحسبان، قس على ذلك نظرة موظفي دوائر أخرى في الجهة نفسها، أو حتى بين موظفي الأقسام من ذات الدائرة، وهلم جرا، فالأخر دائما متهم، والاخر دائما أقل شأنا منا، والآخر دائما لا يستحق احترامنا لا لشيء سوى لأننا لم نعط أنفسنا فرصة الاقتراب منه ورؤية حقيقة ما يقوم به!

ليست هناك تعليقات: