منذ أن كنت طفلة وأنا مسكونة بهاجس السعادة، حيث كنت أقرأ عنها كثيرا في الكتب التي تعلمت أن التهمها في سن مبكرة جدا وفي كلمات الأغاني، وعلى لسان معلمتي، كنت مبهورة بالذات بفكرة أن السعادة فن يمكن تعلمه، لم أتوان أن أسال كل من يلقي بهذه الكلمة على مسمعي عن الطريقة التي تمكنني من تعلم هذا الفن، فقد كنت طفلة لديها هموم كبيرة للغاية- بمقياس طفولتي - وكانت هذه الهموم تنخر قلبي الصغير من الداخل، وكنت أود فعلا لو تعلمت كيف أصبح سعيدة ، حتى جاء ذلك اليوم الذي وقع فيه بصري على كتاب لدينس ويتلي بعنوان (بذور العظمة) في إحدى المكتبات اثناء دراستي الجامعية و أخذته في الحال اضافة إلى كتاب لتوم بيتر بعنوان (في البحث عن التميز)، أذكر بانني لم انتظر حتى أخرج من المكان فأخذت أقرب كرسي وجلست أتصفح كتاب دينس ويتلي مشدودة بعنوانه الذي اثار فضولي بشكل عجيب، ذهلت وأنا أكتشف ان إجابة اسئلتي عن السعادة كانت موجودة في ذلك الكتاب، وذهلت اكثر عندما اكتشفت بان هناك فنا حقيقيا يُعَلم في الغرب تحت مسمى (فن الحياة)، أو (تطوير الذات)، فبدأت رحلتي المثيرة في هذا الطريق بحثا عن حوريتي الجميلة (السعادة)، بين طيات الكتب، ومحاضرات فلاسفة التنمية البشرية التي اكتشفت من خلالها أنه بعد ستة عشر عاما قضيتها على مقاعد الدراسة بين المدرسة والجامعة، وجهد مضن من والدي في تربيتي و تهذيبي اكتشفت أن أهم ما أحتاج إلى تعلمه لم أتعلمه لا من خلال تربية أسرتي ولا من خلال المدرسة، لقد حشت المناهج الدراسية رأسي بكل مالا أريد معرفته عن التاريخ والجغرافيا و النحو والإعراب، لكن تلك المناهج فشلت في تعليمي كيف أتصرف عندما تواجهني عقبة في حياتي، كيف أدير وقتي بفعالية، كيف أحل مشاكلي، وكيف أدير دخلي، وكيف أحب ذاتي، وكيف أواجه الخوف، وكيف اسيطر على أفكاري ومشاعري بحيث أجعلها تحت سيطرتي عوضا عن أن اكون طوعا لها، وغيرها من فنون الحياة، باختصار لم تعلمني المناهج ولم يعلمني والداي بإن هناك علما اسمه فن إدارة الحياة، سيساعدني على العيش بسلام ووئام مع من وما حولي، وبأنه بإمكاني أن أحدد خطواتي بطريقة عملية ومدروسة عوضا عن التخبط هنا وهناك، لم تعلمني المناهج الدراسية بأن الوقت هو أغلى الثروات وأندرها وأنني إن لم أستطع الاستفادة منه سأكتشف بعد فوات الآوان أنه لم يبق لي منه الكثير لأستمتع فيه بحياتي، حشت معلماتي رأسي الصغير بكثير من المعلومات النظرية التي نسيتها من اللحظة التي تركت فيها مدرستي لأنني اكتشفت بأن أغلبها لا حاجة فعلية له في حياتي، ولن أضطر إلى تطبيقه أبدا و قضيت عمري أردد كالببغاء أمثالا لم أفهمها، وحكما لم يشرحها أحد لي، ثم اكتشفت أن المولى جلت قدرته كما وضع للكون قوانين ثابتة لا تتغير تبقي السماء مكانها، وتنظم دوران الكواكب والنجوم وتعاقب الليل والنهار، خلق للانسان ايضا قوانين ثابتة لا تتغير تسير حياته، لو أتبعها لعاش سعيدا معافى مدى حياته، جاءت بها الأديان السماوية على شكل وحي منزل، وأرسل معه رسلا وأنبياء لشرحه وتبسيطه للناس، وتعليمهم مبادئه من خلال لعبهم دور القدوة في حياة أتباعهم، لكن إتباع هذه القوانين تتطلب مجاهدة النفس التي خلقت (إمارة بالسوء)، ولا تأتي هذه المجاهدة بسهولة، لذا فإن السعادة و التوفيق لا يتأتيان لكل أحد، لعل أهم شروط السعادة هو الايمان المطلق بأن الله هو الرزاق الكريم، وعلى الرغم من قناعة أتباع الأديان السماوية بهذا لكن قلة من يعيشه منهجا، فتجد الحسد والغيرة تنخر في القلوب في ذات اللحظة التي يرفع فيها المؤمن يده للرزاق الكريم طالبا سعة الرزق وتحقيق الدعاء، متناسيا انما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى، وان الله سبحانه هو عالم السر وما أخفى لن يكافئه على الكلمات التي يرددها لسانه وإنما على اليقين في قلبه، وكذلك قانون الشكر(ولئن شكرتم لأزيدنكم) عبارة ما اسهلها على الفهم وهي وعد قاطع من رب الكون لا يتطلب سوى شكر النعم، لكن كم منا يشكره سبحانه على ما يملك طمعا فيما لا يملك بعد، للاسف الكثيرون منا تغلب على احاديثهم سواء لذواتهم أو للاخرين نبرة الشكوى والتذمر التي لا يمكن ان تفسر سوى بالنكران للكريم المنان، وغيرها الكثير من القوانين البسيطة والواضحة التي يستعصي على البعض تطبيقها، ثم تجدهم يتساءلون عن حالة الفقر والمرض والفشل المتلاحق الذي يسيطر على حياتهم! السعادة حورية فعلا لا يستحقها إلا من كان مستعدا لدفع مهرها، تفاؤلا ورضا وابتسامة ، السعادة لا تأتي بالشكر وانما الشكر هو ما يؤدي إلى السعادة!
هناك تعليقان (2):
سلام عليكم..
سبق وقلتِ بأن الحياة لا تكافأ من لا يعمل ، طبعاً العمل وفق الشروط الصحيحة لتحقيق الانجاز.
الكل يعمل بل منهمك في العمل لكن لأنجاز يساوي الانهاك ، لماذا ؟ لانه سير خلاف السنن والسباحة عكس التيار.
نحن بأمس الحاجة لفن ادارة الحياة ، وان العين لتدمع عند قراءة سطورك الاخيرة عن واقعنا المؤسف نؤمن بأعظم رسالة للسعادة لكن لا نعمل بمقتضاها، واخجلتاه واسفاه لما فرطنا في جنب الله ، مقالة مؤثرة تأجرون عليها إن شاء الله.
حتى يأذن الله بالوقف على مواطن السعادة كونوا في سعادة
جعلني الله و اياكم اخي الكريم من السعداء دنيا و آخرة، شكرا جزيلا
إرسال تعليق