11‏/03‏/2012

أنا لا أحدق فيك بل أبحث عني!

إحدى الأخوات الفاضلات قالت معقبة عندما ذكر اسمي أمامها: (حمده الشامسية هذه سيدة بغيضة للغاية!) و كان تعليقي بأن المرأة على حق تماما فلو كنت مكانها ربما ستكون ردة فعلي مشابهة، و ما حدث أنني التقيت بهذه السيدة في إحدى الندوات منذ اشهر، و قد هالني الشبه الشديد بينها و بين ابنة عمتي التي لم ارها منذ ما يزيد عن العام و نصف، لكونها قد سافرت إلى المملكة المتحدة في رحلة علاج لطفلها الذي اضطر إلى إجراء عملية زرع نخاع تبرع به والده- الذي هو ابن عمي أيضا،  لذا فقد ظللت طوال ذلك اليوم أحدق – بدون وعي مني- في تلك السيدة المسكينة التي كلما نظرت إلي وجدتني ابحلق فيها كالبلهاء، مما اثار حفيظتها و استيائها، في حين لم أكن شخصيا منتبهة على الاطلاق للأذى الذي كنت أسببه لها بنظراتي المتفحصة تلك الخالية من اي أثر للكياسة و اللباقة، فقد كنت مشدودة إلى ذلك التشابه الغريب ليس في الملامح فقط بل حتى في طريقة الجلوس و الحركات و طريقة تناول كوب الماء، الشبه كان مدهشا حقا ولولا فارق العمر بينهما لظننت بان تلك المرأة الجالسة امامي هي ابنة عمتي بلا ادنى شك، و كنت مستعدة لأن أقسم اليمين على ذلك..
بعدها بأيام دعيت من قبل المجلس الثقافي البريطاني لحضور فعالية في فندق كراون بلازا، وحدث أن لاحظت مجموعة من الفتيات ينظرن إلي و يتهامسن، للوهلة الأولى اثارت نظراتهن المتفحصة حفيظتي لولا انني تذكرت عبارة تلك السيدة، فحدثت نفسي ربما وجدت تلك الفتيات شبها بيني و بين عزيز يفتقدنه، في الاستراحة تقدمت إلي إحدى الفتيات متسائلة عما إذا كنت أنا حمده الشامسية التي أكتب في جريدة عمان، عندما أجبت بالايجاب لوحت لرفيقاتها اللائي انضممن لنا في حوار شيق و ممتع كسرت به حاجز الرهبة من وجودي في وسط لم أكن أعرف فيه احدا، و شكرت تلك السيدة التي افتتحت بقصتها هذا المقال التي لولاها لكنت اضفت أربع سيدات لقائمة (الشخصيات البغضية) التي قد أحاول تجنبها لو التقيت بها يوما في مكان ما ليس لشيء سوى أنهن حدقن فيي و تهامسن..
مما سيجرني إلى مزيد ومزيد من العداوات لانني انسى كلية انني (حمدة الشامسية التي تكتب في جريدة عمان) عندما لا أكون امام لوحة المفاتيح اضع لمساتي على المقالة قبل إرسالها للجريدة، لأنه يحدث كثيرا أن اصادف بعض القراء في الأماكن العامة و الذين يتعرفون علي من صورتي في الجريدة فتثير نظراتهم حفيظتي، قبل ايام كتب الدكتور سلمان بن فهد العودة على صفحته بالفيس بوك هذه العبارة الرائعة: (من يحدّق فيك ربما رأى ملامح تشبهه، أو تشبه عزيزاً يحبه، أو هو يبحث عن روح يتعارف معها) فليس بالضرورة من ينظر إليك يقصد شرا،لكننا للاسف الشديد كثيرا ما نفسر نظرات الاخرين لنا بالسوء، و كثيرا ما نحكم على الاخرين من موقف بسيط حدث دون قصد من الطرف الآخر، سبب سوء فهم، تصرفنا بموجبه و حكمنا بقسوة على طرف آخر دون حتى أن نكلف أنفسنا عناء تقصي الحقيقية و التثبت من ذلك الانطباع الذي تركه ذلك الموقف من شخص ما، و أحيانا كثيرة نكون انطباعا عن اشخاص من واقع ما نسمع عنهم، دون أن نعطي أنفسنا فرصة التحقق من هذه الانطباعات بأنفسنا من خلال معايشة ذلك الشخص، و هنا تحضرني قصة معلمة في يومها الأول في التدريس صادفتها مدرسة اخرى وهي في طريقها لاستلام عملها قائلة: أعانك الله على التلميذ الفلاني فهو من أكثر الأطفال شقاوة و خبثا، و حالما دخلت المدرسة الفصل بدأت تبحث بعينيها عن ذلك الطفل الخبيث، الذي وجدت نفسها دون إرادة منها تركز انتباهها عليه طوال الحصة مترقبة لكل حركة أو كلمة تصدر عنه، و وجدت نفسها تكرهه و تتوجس خشية منه ، لولا أنها تداركت نفسها و قررت أن تمنح نفسها فرصة لتكون انطباعاتها هي عنه، و كثيرا ما يحدث امرا كهذا في بيئة العمل عندما ينقل موظف من دائرة اخرى و يكون قد عرف عنه بأنه موظف مشاكس و تكون سمعته قد وصلت قبله في جهة العمل الجديدة، بالتالي يجد المسئول المباشر الجديد نفسه و بدون وعي يتصرف مع ذلك الموظف بذات الطريقة التي كان يتصرف بها مسئوله السابق، فيجبر الموظف على الاستمرار في سلوكه السيء و غالبا مايكون ذلك كردة فعل لمعاملة الطرف الاخر له ليس الا، بهذا فإننا كثيرا مانساهم بشكل أو باخر في تكوين هذه الشخصيات المشاكسة أو السلبية سواء في محيط الأسرة أو في محيط العمل، من خلال الأحكام المسبقة التي نصدرها عن الاخرين جزافا! ذلك ان لكل فعل ردة فعل، في المرة القادمة التي يحدق فيها احدهم فيك تذكر بأنك لست المقصود، وليس بالضرورة أن يقصد الطرف الاخر شرا بامعان النظر إليك، هو فقط يبحث عن شخص مألوف فيك..

هناك تعليقان (2):

faroukfahmy يقول...

الاستاذه الفاضلة حميده
تشرفت بزيارة خاطرتك الوجيهة فى سردهاالبديعة فى مضموتها
( من يحدق فيك ربما رأى ملامح تشبهه ، او تشبه عزيزا يحبه الخ هذه العبارة )
حقيقة ان هنا ملامح نحمل الشكل التقليدى الذى نراه كثيرا فى تعاملنا وما تعرضت له سيدتى تعرضت انا شخصيا له
والفراسة هنا تحكم و على يقينى ليست غائبة عنك فى فهم قصد هذه النظرات هل هى للتشبيه ام للتلويح او التلميح الى شئ آخر
خاطرة شديدة الخصوصية الا انها تحمل صفة العموم فى حياتنل العامة
زيارتك لمدونتى سيدتى سيكون لها حدثا هاما فى نفسى وانت على البعد القريب الى ما ارتاح اليه
الفاروق

علي موسى يقول...

سلام عليكم..
الإنطباعات والقناعات الذاتية وكذلك (انطباعات وقناعات البيئة والمجتمع) للاسف تصبح من المسلمات التي لا يتناولها النقد والتغيير طبعاً الاغلب منها.
يجب ان نخضع كل تصرفاتنا وقناعتنا للمحاسبة والخربلة من خلال المحاسبة اليومية ، بالتأكيد ليس جميع قناعات الانسان قابلة للتدقيق في وقت واحد، بل من خلال محاسبة النفس قبل النوم واسترجاع ما جرى في ذلك اليوم من احداث ووقائع ابرزت بعض الانطباعات والقناعات يمكن في ذلك الوقت النظر فيها بعين فاحصة ناقدة.
امر مفيد وشجاع ان يتقبل الانسان النقد بعين فاحصة وعقل منفتح كما حدث معكم موفقين.
حتى يأذن الله بقراءة صحيحة لكل سلوك كونوا بخير قراءة