01‏/03‏/2012

أغلى الثروات و عماد الحياة ..المسئولية مشتركة



لم أستطع أن أضحك من الخبر الذي رآه البعض طريفا، والمتعلق بتصريح  الرئيس الفنزويلي هيوغو تشافيز لأبناء شعبه من أجل ترشيد استهلاك المياه والطاقة في البلاد، حيث أوصى فخامة الرئيس الفينزولي شعبه خلال اجتماع مع وزرائه نقله التلفزيون الرسمي بعدم الاكتفاء بإغلاق صنبور المياه أثناء تنظيف الأسنان بالفرشاة بل تجاوز ذلك إلى عدم زيادة وقت الاستحمام عن ثلاث دقائق.
وقال شافيز " إن ثلاث دقائق كافية تماما للإستحمام، دقيقة لبل الجسم بالماء ودقيقة لاستخدام الصابون أو الشامبو ودقيقة ثالثة لغسل الجسم "، وعد الرئيس شافيز الافراط في استخدام مياه الشرب بمثابة جريمة مشيراً إلى أن البعض يهدر المياه أثناء الاستحمام على مدى نصف ساعة.
الرسالة قوية و معبرة بلا شك، و تدل على أن قضية شح الماء وصلت إلى حد بات معه من الصعب تجاهلها، خاصة و أنه من المعروف أن 18% من الاستهلاك الادمي للمياه يستخدم في الحمام، اسلوب شافيز أحد الأساليب المبتكرة التي اصبحت  بعض الدول في إستخدامها في توعية شعوبها بهذه القضية البالغة الأهمية، في زمن باتت القوة فيه للكلمة و المعرفة، وقضية الجفاف العالمي ليست إستثناء، فالرسالة يجب أن تصل، فقد أصبح الجفاف يهدد العديد من الشعوب حول العالم لا فرق في ذلك بين الدول الغنية و الدول الفقيرة.

ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال أدى النمو المتسارع للمدن الأمريكية و التغيير المناخي إلى شح كبير في المياه التي تستخدم 80% منها في الزراعة، لكن الاستخدام المنزلي يتزايد بشكل كبير أيضا، فقد كان الجفاف يصيب الولايات كل عشر إلى خمسة عشر عاما، لكنه بات أكثر تكرارا في السنوات الأخيرة، و قد تفاجأ سكان ولاية أطلنطا بموجة جفاف شديدة خلال الفترة من 2007-2009 وفقا لمقال لمارلين لويس نشر مؤخرا، مما اضطر أصحاب القوارب إلى سحبها و ايقافها في منازلهم، وتم استخدام الحشائش الصناعية أو رش أصباغ ملونة في ملاعب الكرة التي خسرت مساحتها الخضراء بالكامل، ووصل الأمر إلى حد التقاضي في المحاكم الفيدرالية بين ولايتي أطلنطا و جورجيا حول حق إستخدام مياه السدود، بالنسبة لأصحاب المنازل اضطرهم الجفاف إلى تغيير أسلوب حياتهم لمواجهة شح المياه من جهة وإرتفاع كلفة الاستهلاك من جهة أخرى، مما جعل الحكومة وشركات المياه تستخدم أساليب مبتكرة لتشجيع المواطنين على ترشيد إستهلاك المياه، من خلال شراء منتجات صديقة للبيئة، و ابتكار وسائل للحد من استخدام المياه، و تمنح الحكومة و الشركات تخفيضات خاصة وفقا لنقاط معينة لقاء تركيب غسالة اقتصادية على سبيل المثال، إحدى شركات المياه تمنح 200$ تخفيض لكل فاتورة في حال تركيب نظام ري يعمل بالتنقيط شريطة أن يتم إعتماده من مدقق مستقل لإختبار مدى فعاليته،ذلك أن الحدائق بشكل عام تستهلك أكثر من 70% من الاستهلاك المنزلي للمياه، و 150$ لتركيب حمام صديق للبيئة، و 150$ مقابل إصلاح التسرب في أنابيب المياه و الأجهزة، بعض الحكومات أدخلت نظام (النقد مقابل الحشائش) اذ يتم تعويض صاحب المنزل مبلغا من المال يعادل المساحة المزروعة التي تم إستبدالها بمساحات غير مزروعة في الحدائق، وهو ما أدى إلى إستبدال الكثير من الحدائق المنزلية الى حدائق صخرية على الطراز الياباني.

كما تلاحظون معي فهذه الوسائل غير مكلفة من الناحية المادية، وليست صعبة التنفيذ، الأمر الذي جعل الاقبال عليها كبيرا خاصة مع نظام الحوافز المبتكر الذي اتبعته الحكومة و شركات المياه في الولايات، و الوسائل نفسها المتبعة فعالة جدا، ففي حين يستهلك الرشاش العادي 8 جالونات مياه في الدقيقية الواحدة، لا تستخدم الرشاشات الحديثة سوى 1.5 جالون في الدقيقة، أو تزويد الحمامات بجهاز دفع هوائي صغير يركب مع الرشاش ليساعد في دفع المياه بقوة، كما أن نظام تصليح التسرب قد يوفر ما يعادل 14% من الإستهلاك.

المياه اصبحت نادرة و الوضع أخطر مما نتصور، و يحتم علينا الواجب الديني أولا ومن ثم الواجب الوطني في ترشيد استهلاك المياه، لسنا مضطرين أن ننتظر حتى تصل المشكلة إلينا حتى نبدا في التفكير في الحل، وإن كانت المشلكة ليست بعيدة عنا، فكثير من ولايات السلطنة تعاني من شح كبير في المياه، و اختفت مؤخرا مساخات كبيرة من مزارع النخيل من ساحل الباطنة و بعض المناطق الأخرى في السلطنة، هناك حاجة ماسة على إيصال هذه الرسالة و بطريقة مبتكرة و سريعة. فالارقام التي ذكرها معالي وزير البلديات الاقليمية وموارد المياه في كلمته خلال المؤتمر الدولي لبناء القدرات لإدارة المياه في المناطق الحضرية في ظل ندرة المياه والذي نظمته وزارة البلديات الاقليمية وموارد المياه بالتعاون مع المركز الإقليمي لإدارة المياه في المناطق الحضرية بطهران وبدعم من مجلس البحث العلمي تشير الى مدى خطورة الموقف المستقبلي لمخزون المياه ومعدلات الاستهلاك ، حيث اشار الى زيادة عدد المدن التي يزيد عدد سكانها على المليون نسمة الى اكثر من 650 مدينة في العالم بزيادة قدرها 550 مدينة عن عام 1950 مع زيادة كثافة بعض المدن القائمة التي يزيد عدد سكانها على عشرة ملايين نسمة بمعدل 50% في المناطق الحضرية بالعالم، الأمر الذي يهدد موارد المياه العالمية بكارثة حقيقية.


ليست هناك تعليقات: