31‏/08‏/2009

التغيير لا بد منه

إن ماحدث معي هو أنني نسيت قانون الحياة الأساسي، ألا وهو أن التغيير و النمو و التطور هي سمه الكون وكل ما يندرج تحته، فالهواء يتجدد والماء يتجدد، و كذا الأشجار تغير أوراقها موسميا، كما تغير ثمارها، و التربة تتجد، و الحيوانات تجدد جلودها، و أعضاء الانسان متجددة، وهكذا دواليك، وهذا يعني أن الانسان الذي لا يتطور شاذ عن منهج الطبيعة، و الانسان الذي لا يتغير سيجد نفسه حتما خارج السرب، لأن لاشيئ ثابت وباق، فكل ماحولنا يتحرك، أنا نفسي لست الانسانة التي كنت عليها قبل سنة، فأعضاء جسدي تتجدد باستمرار.

أدركت بأن كل ماهو غير مستخدم، يتوقف عن النمو، فعلم الأحياء الحديث أثبت أن كل عضو لا يستخدم، يصيبه الشلل و الضمور و يتوقف بالتالي عن النمو، فالله سبحانه لا يخلق شيء لا حاجة له، أو يعطينا مالا نستخدمه، ، و في الجانب الاخر فإن الاستخدام يمنح العضو قوة، و يؤدي إلى نموه، وكذا الحال بالنسبة للقوى العقلية أيضا، فالطريقة الوحيدة التي ننمي فيها قوانا الذهنية هي بتمرين العقل، من خلال القراءة و التحليل.

وهكذا كان علي أن أدخل مدرسة الحياة مرة أخرى، فقد اكتشفت أن لا نهاية للتعلم و الاكتشاف، وصدق من قال: طلب العلم من المهد إلى اللحد، فهي عملية مستمرة مادامت الحياة مستمرة، تعلمنا كل يوم من دروسها التي لا تنتهي، نحن ننمو ونتطور و نصبح أكثر ذكاء من خلال لعبة الحياة، نقوي شجاعتنا من خلال مواجهة الصعاب التي ترسلها لنا الحياة في طريقنا، ليشتد عودنا، و نصارع افراحها و اتراحها لنصبح أكثر قوة، نختبر صبرنا من خلال مواجهة نجاحنا و فشلنا، فقط في ظروف كهذه نستطيهع أن ننمو، و نبني شخصياتنا، ونروض أنفسنا، لذا جاءت جميع التعاليم السماوية، و جميع الديانات الموضوعة لتربي النفس، و تروضها و تساعدها على النمو، من خلال الطقوس الدينية، و الذكر، وهذا هو الهدف الذي تصبو إليه الانسانية، و هو مايعرف بالنجاح، فأنت ان استطعت ترويض نفسك، و تنميتها فأنت حتما ستصل إلى كل ما تصبو إليه.

و حتى يحصل المرء على مايريد لا بد من توفر ثلاث أشياء، أولها الرغبة، الرغبة في النجاح، و التفوق، و الإنجاز، فأنت بدون رغبة حقيقية لن تحقق شيئا البتة، فهي القوة المحركة للعزائم، و الرغبة ليست مستثناه من قانون النمو و التطور الذي تحدثنا عنه، فأنت ما أن تشبع رغبة حتى تظهر لك أخرى، فكخريجة جامعية كان أقصى ما أطمح إليه هو وظيفة ذات دخل ثابت، و حالما حصلت على الوظيفة تحولت الرغبة إلى منصب مرموق و هكذا دواليك، و تظل الرغبة دينامو دائم الحركة، و تظل تلعب دورا أساسيا في تطور الحضارات البشرية، فهي تشحذ الهمم، و تحفز.

الأمر الثاني هو الإرادة، فمهما كانت الرغبة قوية، بدون إرادة قوية ستظل الرغبات دفينة صدور أصحابها، و الإرادة تعني ببساطة شديدة إستعدادك للقيام بما يجب عليك فعله، في الوقت المحدد،بغض النظر عن كونك ترغب في ذلك أم لا، و لتعرف قوة إرادتك يكفي فقط أن تراقب كم مرة في اليوم تسمح لأحداث الطارئة أن تغير خططك دون إرادة منك، هل تمضي في برنامجك المعد مسبقا، أم تسمح للأحداث العابرة أن تحدد مسارك، أم هل تملك الإرادة لبدء يومك حسبما خططت له، وهذه السمة وحدها ما يميز الناجحين عن غيرهم من البشر، فهذه الفئة لا تستسلم بسهولة.

ثم يأتي بعد ذلك القدرات الذهنية، فبدون تفكير سليم و قدرة على الحكم الصحيح على الأمور يستحيل على المرء التقدم في الحياة، و القدرات الذهنية مثلها مثل الأعضاء الأخرى يمكن تطويرها بالتمرين المستمر، و الملاحظة، و التخيل، و الكتابة.

و أنا شخصيا استخدم مزيج من التقنيات لتمرين قواي العقلية بالإضافة إلى القراءة، التي يجب أن تدخل إلى البرنامج اليومي لأي شخص، و قد لاحظت على مر السنين أنني إذا قمت بتلخيص ما أقرا يساعد ذلك على الاستيعاب، أما الملاحظة فقد حث عليها الخالق جل جلاله عندما طلب منا التأمل في مخلوقاته، مثل قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ قال الله عز وجل: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ

فالتأمل في خلق الله، لا يقوي الإيمان فقط، و إنما يوسع المدارك، يعلم ويثقف، و ينمي القدرة الذهنية، و يسمو بالروح، لكن سبحان الله هناك من البشرمن لا يعطي نفسه فرصة التوقف وملاحظة ما حوله، واشفق حقا على هؤلاء البشر ممن لا يدركون هذه النعمة، أذكر بأنني أثناء تجوالي مع بعض رفيقاتي، في حديقة النباتات الطبيعية، في مدينة ملبورن الاسترالية، كنت مثار استياء منهن لأنني بطيئة في المشي و حريصة على الوقوف عند كل نبة أو شجرة و تأمل أوراقها و ثمارها، و كنت بدوري أستغرب كيف لايشد هذا الجمال البديع رفيقاتي، كيف يمكن لإنسان أن يمر مرور الكرام أمام هذا الابداع و هذه الروعة، فلا توجد شجرة شيهه بأخرى، فلكل شجرة درجة خضرتها، و شكل ثمارها، و لكل زهرة لونها و حجمها الذي لا يشبه غيره، فأجدني أخر راكعة في بعض الأحيان أمام هذه المشاهد، و أعتقد أن هذه الخصلة ساهمت في تشكيل شخصيتي بشكل كبير على مدى السنين.


ليست هناك تعليقات: